فالتهنئي بدفء الحب ما عشتي

وقع بين يدي ورقة صفراء بلون باهت قديم يشكو غبار الايام ويهتف بذكريات الماضي ..
فتحتها ..وكان فحواها..:
إلى حبيبتي وغاليتي..
إلى سر نجاحي وأملي في دنياي..
طموجاتي كلها منك انطلقت..كنت شراع سفينة حياتي..وبوصلة تحركاتي..
تفوقي ونجاحي كنت ورائه..كنت الارب من ابداعي..
انت من دفعني في رحلة التميز والابداع..كنت كل امالي وترحكاتي من اجلك غيرت حياتي..ونظمت افكاري وجعلتك الفكرة الاكبر في حياتي..والهدف الأسمى من تحركاتي..
فأنت سقف طموحاتي..
لأجلك اقتحمت عالم واسع يمتد في الافق..عالم من الابداع والتميز والتفوق..كل من فيه اشخاص مميزون..وكنت انا بينهم كالطفل الذي يحبو في سنته الاولى..لم اكن ادري الى اين..ولا الى متى..
احببت ساكنيه..فقد كان التائه في ذلك العالم هو مرشد ومعلم لغيره ممن هم خارج العالم..
كانوا يتنفسون الامل ويتقوون بالايمان ..غذائهم الاهداف وتحركاتهم انجاز..خطواتهم ابداع وكلماتهم حكم ومواعظ..يسيرون على الارض وفي صدورهم قلوب ترجوا الفردوس لها دارا واجساد تخاف النار لها مستقرا ودموع تتذلل للرحمن كي يعفو ..وعقل واع ..ناضج يدعوا الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة..
احببتهم فأحبوني ومدوا لي يد العون..رفعوني على اكتافهم وقالوا لي:فلتلمس احد النجوم..
ملأ صدري ايمان عميق برب عظيم..وغدوت احلم مثلهم وبذات طريقتهم..اعدت ترتيب افكاري فقد غدت الجنة اكبر اهدافي ..والدعوة اسمى تحركاتي..
اجل تميزت وغدا اسمي في كل مكان يذكر بالخير وانا ادعوا ربي ان يتقبل..
واكنت امامي تتميزين في ذات العالم..وكلما مررتي من امامي رددت في سري"فلتنتظريني سآتي يوماً لخطبتك.."..
ومرت الايام وتعاقبت السنين وغدت سنوات الجامعة الاربع لحظات مرت في الذاكرة..
ولكنني كنت حريص على اضع في كل يوم لبنة جديدة في قلعة شخصيتي..حتى جاء اليوم الاخير..
كان قد تبقى لبنة واحدة..
احببت ان تشاركيني في وضعها..
انتظرتك لتمري من اماي ..تأخرتي..
وعندما مررتي لملمت على عجل تبعثر مشاعري..
ورتبت كلمات روحي..وبكل عزم اردت ان اوقفك لأقول لك"اني لأرجو منك القرب"..ولكن..
اوقفني لمعان بريق خاتم الذهب الذي قد تألق على اصبعك في اليد اليمنى..
فتألمت وتألمت وخانتني عيناي وتسللت دمعة حارة فسرت في مجراها على وجنتي..
ثم تنحيت جانباً ودعوت لك بقلب ملئه الصدق والاخلاص..قلب ملئه الحب والوفاء..قلب ملئه الرضا والايمان..وملئه التوكل برب العباد..
دعوت في سري"فلتهنئي بدفء الحب ما عشتي"
المحب والمخلص لك مدى الحياة..
*ملاحظة لا اظنك ستقرئينها ولكنني كتبتها..
التاريخ..
11\6\1994

قرئتها بألم شديد..
تألمت عليه .."عندما انتهى من صنع مركبه كان البحر قد جف"..
زوجي حبيبي..يحمل في صدره كل هذا..
عجباً..لم اشعر للحظة ان غيري قد سبقتني إلى قلبه..

وفي المساء..
خرجنا إلى الشرفة كي نتسامر سوياً كالعادة..
كنت اريد ان احدثه واصارحه بانني كشفت اسرار مشاعره..
فقلت بحيلة..:
-أتدري عزيزي ..اليوم قرأت خاطرة عن الحب الاول ..كانت عميقة وحساسة وراقية..وانا اظنك حبي الاول وانت؟!
أجاب بهدوء.:
_ الحب الاول ..اه..قد ابدع الشعراء والادباء في وصفه..كل كان له فيه رأي..ولو انني شككت للحظة انني لن اكون حبك الاول لما اخذتك..
_وما الذي اعجبك في حديث الشعراء عنه..
_ حديثي انا ..ههههه..اقصد ان الحب الاول ذكرى من الماضي تجول في جنبات الروح بين الفترة والاخرى فتملأ الروح من شذى عطرها وليس اكثر..
_ يبدوا ان لك قصة مع الحب الاول..
ابتسم ابتسامة خجلة وقال:
_اجل فقد احببتها بصدق واخلاص..
_ ومن كانت..
_ لا تعرفيها
_ اقصد ماذا ميزها عن غيرها!!؟؟
لحظة صمت ثم اخذ نفساً عميقاً ملئ به صدره المثقل بالذكريات..ثم رد بقوة:
_ بل مالذي يجعلها مثل غيرها..كانت للدين راية..وللتفوق علماً..ولرفيقاتها منارة..تسير وفي نفسها بوصلة من الاهداف تسيرها..تحيا من اجل الله وبه ومعه..غايتها من الحياة رضاه..وأملها جنته..عيونها تحدث عن طموحات تعانق السماء..وفي قلبها همة تسابق قمم الجبال في علوها..
_ هل حدثتها يوماً؟؟
_ ابداً..قد اخبرتك انها للدين راية..فكيف تحدثني .زكانت ثابتة كثبوت الجبال الشاهقات امام العواصف..وبذلك قد كانت هي السبب وراء تغيري..وانقلاب مسيرة حياتي ،فقد اردت ان اقلدها واتميز مثلها واحيى بهدف مثلها حتى الفت انتباهها فغصت في بحر عميق من السعادة واللذة والهناء الذي ما بعده هناء..تفوقت وتميزت وابدعت مثلها..وهي تزداد مع الايام في نظري مكانة وفي عقلي سمواً وفي فؤادي حباً..

كان يتحدث عنها بإسهاب اطال في حديثه فشعرت بألم..وانني لا شيء ..او انني وسيلة لسد مكان فارغ..بديل عن شيء مفقود ...تمنيت لو تتشقق الارض اسفل مني وتبتلعني في جوفها ..
انهى حديثه عنها..وساد المكان صمت..
اخذت نفساً عميقاً..وضممت شفتاي لأمنع خروجه.. فترغر الدمع في عيناي وقلت بصوت دامع متحشرج :
_ وانا..
فأجاب بمكر:
_ ام عيالي
مشيراً بذلك الذي الصغير الذي في أحشائي.ز
فأجبت بحرقة اكثر:
_ فقط..
فانتبه الى تزاحم الدموع في مقلتي فالتفت إلي وامسك بوجهي وادراه ناحيته وقال لي:
_ جنة دنياي وفرسي لجنة آخرتي..
فتسللت دمعة حارة وجرت على خدي ..فبادر بمسحها واكمل.
_ انت اميرتي وامتي في ذات الوقت..تاجي المرصع بالجواهر والذهب وعبائتي الدافئة..فرشي وغطائي..فكري وكلماتي..نفسي وحركاتي..انت الامل الذي أحيى به.
انت وزيرتي ومستشارتي امي واختي..
اذهلتني كلماته فسارعت بوضع يداي على فمه ليتوقف وقلت له راجية:
_ بالله عليك أصدقني القول..
ازال يدياي..و تابع:
_ اتفقنا منذ بداية الحديث ان الحب الاول ذكرى من الماضي انتهى بطي صفحاته وان المرء يذكره بين الفترة والاخرى... ولكننك لم تسأليني عن الحب الابدي..الحب الخالد الحقيقي..حب يستمر بعد الموت فنلتقي في جنة رب الكون ونزداد هنالك حباً وقرباً ونهنئ برضى الله ونسمع الكلمة التي تحن لها قلوب المؤمنين "أدخلوها بسلام آمنين"..فندخلها سوياً..فأقول يارب كانت لي سكن ورحمة واستقرار ..كانت لي سماء وارض..
يا رب فارضى عنها....اجل يا حبيبتي انت حبي الخالد الابدي..فلتهنئي بدفء الحب ما عشتي..
ان غرتي منها لانها كانت جزء من ماضي حياتي ..فأنت كل حياتي..

انهمر الدمع من عيناي بغزارة..ثم قال لي :
_ اه منكن يا النساء ومن غيرتكن.ز
فضحكت وضحك ثم ارتطم صوت ضحكي مع ضحكه وحمدت ربي على ما انا به من نعمة..

بقلم :مي وليد ابو عجمية..
لا تنسوها من صالح دعائكم